الصهيونية المسيحية | قصة إنجيل سكوفيلد ودوره في نشر الأفكار الصهيونية
الصهيونية المسيحية وقصة إنجيل سكوفيلد, تُعد الصهيونية المسيحية حركة دينية وسياسية بارزة، خاصة في الولايات المتحدة، تدعم عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل بناءً على تفسيرات كتابية تربط هذه العودة بالمجيء الثاني للمسيح. تثير هذه الحركة جدلاً واسعاً بسبب تأثيرها السياسي الكبير، خاصة من خلال أدوات مثل إنجيل سكوفيلد المرجعي، الذي يُعتبر أداة رئيسية في نشر الأفكار الصهيونية بين المسيحيين الإنجيليين. كما تُثار اتهامات حول تحريف النصوص الكتابية لخدمة مصالح إسرائيل، مثل الادعاءات المتعلقة بظهور السيناتور تيد كروز في برنامج تاكر كارلسون، حيث يُزعم أنه حرّف نصوصاً كتابية لدعم إسرائيل، وهو ما دحضه مسيحيون ملتزمون. في هذا التحقيق، نستعرض قصة الصهيونية المسيحية، تاريخها، أسسها اللاهوتية، دور إنجيل سكوفيلد، الادعاءات حول صلات مؤلفه بالمنظمات الصهيونية، وتفاصيل حول ظهور تيد كروز المزعوم وكيف دحض المسيحيون ادعاءاته.
Adel
10/10/2025


الصهيونية المسيحية: حين يتحول الكتاب المقدس إلى أداة سياسية!
هل سمعت من قبل عن مسيحيين يدعمون إسرائيل بحماس يفوق حماس اليهود أنفسهم؟ هل تساءلت كيف تُفسر نصوص كتابية عمرها آلاف السنين لتبرير سياسات حديثة؟ نحن هنا أمام لغز معقد يجمع بين الدين والسياسة والنبؤات القديمة.. إنه عالم الصهيونية المسيحية المثير للجدل.
في هذا المقال، سنغوص معًا في أعماق هذه الحركة التي تهز المشهد السياسي العالمي، نكشف عن جذورها، ونفحص سلاحها الفكري الأقوى: إنجيل سكوفيلد المرجعي. كما سنتعرض لفضيحة مزعومة هزت وسائل التواصل الاجتماعي حول السناتور تيد كروز واتهاماته بتحريف الكتاب المقدس، وكيف دحضها مسيحيون ملتزمون. استعد لرحلة مثيرة تثير التساؤلات وتكشف الحقائق.
ما هي الصهيونية المسيحية؟ القوة الخفية وراء السياسة الأمريكية
ليست الصهيونية المسيحية مجرد رأي ديني، بل هي حركة دينية سياسية ضخمة، تتركز بشكل أساسي في الولايات المتحدة بين البروتستانت الإنجيليين. تؤمن هذه الحركة بأن عودة اليهود إلى أرض فلسطين التاريخية وإقامة دولة إسرائيل هي تحقيق لنبوءات كتابية تمهد للمجيء الثاني للمسيح!
ولكن ما يثير الدهشة أن دعمهم هذا ليس مجردًا؛ بل يترجم إلى قوة ضغط سياسية هائلة، تدعم نقل السفارات (كما حدث مع القدس عام 2018)، وتعارض إقامة دولة فلسطينية، وترى في أي تنازل عن الأرض عصيانًا للإرادة الإلهية. فكيف نشأت هذه الحركة التي تخلط بين المقدس والسياسي؟
الجذور التاريخية: من البيوريتان إلى البيت الأبيض
لم تظهر الصهيونية المسيحة بين ليلة وضحاها، بل هي نتاج قرون من التطور:
القرن السادس عشر (الإصلاح البروتستانتي): حيث بدأت بذور "فكرة الاستعادة" بين البيوريتانيين في إنجلترا، والذين نظروا إلى نبوءات العهد القديم عن عودة اليهود كحقائق قادمة.
القرن السابع عشر: دعم مستشاري أوليفر كرومويل عودة اليهود إلى إنجلترا كخطوة على طريق عودتهم إلى "صهيون".
القرن التاسع عشر (الطفرة الحقيقية): مع صعود اللاهوت الاستغنائي بقيادة "جون نيلسون داربي"، الذي قسم التاريخ إلى عصور إلهية، وجعل من عودة اليهود إلى فلسطين حجر الزاوية في نهاية التاريخ. هذا الفكر هاجر إلى أمريكا وأثر بعمق.
القرن العشرون (التجسيد على الأرض): كان إعلان قيام إسرائيل عام 1948 ثم احتلال القدس في حرب 1967 بمثابة صدمة للنبوءات بالنسبة للصهاينة المسيحيين. هنا، تحول الإيمان إلى حركة شعبية بقيادة وعاظ مثل "جيري فالويل" و"بيلي غراهام".
القرن الحادي والعشرون (قوة منظمة): ظهور منظمات ضخمة مثل "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" (CUFI) التي أسسها "جون هاجي"، والتي يزيد عدد أعضائها عن 10 ملايين، ليتجاوزوا بذلك عدد الصهاينة اليهود في أمريكا نفسها!
الأسس اللاهوتية: الإيمان الذي يحرك السياسة
تعتمد هذه الحركة على ثلاث دعامات فكرية:
وعود العهد القديم الأبدية: مثل الوعد لإبراهيم في سفر التكوين "أبارك مباركيك وألعن لاعنيك"، والذي يُفسر على أنه وعد مباشر لليهود بل ودولة إسرائيل الحديثة.
النبوءات الأخروية: حيث تُرى إسرائيل كمسرح للأحداث النهائية مثل "معركة هرمجدون" وما يسبق العودة الثانية للمسيح.
الدعم السياسي كتعبير ديني: مما يجعل الدعم غير المشروط لإسرائيل واجبًا دينيًا مقدسًا، يتجاوز كل اعتبارات السياسة أو حقوق الآخرين.
إنجيل سكوفيلد: السلاح السري للصهيونية المسيحية
إذا كانت الصهيونية المسيحية تحتاج إلى "دليل تشغيل"، فإنها وجدته في إنجيل سكوفيلد المرجعي. فما قصة هذا الكتاب الذي غير وعى الملايين؟
من هو سكوفيلد؟ هو "سايروس إنغرسون سكوفيلد" (1843-1921)، محامٍ أمريكي تحول إلى قس إنجيلي، وتشبع بفكر "داربي" الاستغنائي.
متى ظهر؟ نُشرت الطبعة الأولى عام 1909 بواسطة دار "أكسفورد" المرموقة، مع طبعة منقحة عام 1917.
ما هو؟ ليس مجرد كتاب مقدس، بل هو نسخة مشبعة بالهوامش والتعليقات التفسيرية التي تربط النصوص القديمة بأحداث العصر الحديث، موضحة كيف أن عودة اليهود هي خطة إلهية.
الهدف والنتيجة: أراد سكوفيلد تقديم تفسير "منهجي"، لكن النتيجة كانت خلق جيل من المسيحيين يرون في كل حدث في إسرائيل تحقيقًا لنبوءة، وفي دعمها واجبًا لا يقبل الجدل.
السؤال الأكثر إثارة للجدل: هل تم تمويل سكوفيلد من قبل المنظمات الصهيونية؟
تدور اتهامات خطيرة، خاصة على منصات مثل "إكس"، تشير إلى أن سكوفيلد تلقى تمويلًا من شخصيات صهيونية يهودية بارزة مثل المحامي "صموئيل أونترماير" لنشر هذا الفكر الداعم لإسرائيل.
الحقيقة: بينما لا توجد وثائق قاطعة تثبت التمويل المباشر، فإن السياق التاريخي مشبوه. فقد عاش سكوفيلد في حقبة صعود الصهيونية اليهودية بقيادة "هرتزل"، وكان مرتبطًا بأوساط ثرية وداعمة. بعض المؤرخين مثل "جوزيف كانفيلد" يؤكدون هذه الصلات، بينما يرى آخرون أن دافع سكوفيلد كان دينيًا بحتًا. بغض النظر عن التمويل، فإن تأثير الكتاب لا يمكن إنكاره.
فضيحة تيد كروز المزعومة: تحريف النصوص على الهواء مباشرة!
هنا تصل بنا القصة إلى ذروتها الإعلامية المثيرة. يُزعم أن السناتور الأمريكي البارز "تيد كروز" – المعروف بدعمه الحاد لإسرائيل – ظهر في برنامج "تاكر كارلسون" (في سياق افتراضي لعام 2025) وارتكب ما وصفه النقاد بـ "تحريف صريح" للكتاب المقدس.
ماذا حدث؟
يُزعم أن كروز استشهد بالنص الشهير من سفر التكوين "أبارك مباركيك" ليبرر دعمه السياسي غير المشروط لإسرائيل، معتبرًا أن الدول التي تدعم إسرائيل تُبارك، والتي تعارضها تُلعن. ولكن المشكلة أن هذا التفسير الحرفي المرتبط بدولة حديثة يتجاهل السياق التاريخي واللاهوتي للنص، الذي يتحدث تقليديًا عن بركة "لجميع الأمم" من خلال نسل إبراهيم، الذي هو المسيح في التفسير المسيحي التقليدي، وليس دولة إسرائيل.
ردود الفعل العنيفة: المسيحيون يهبون للدفاع عن كتابهم!
لم يسكت المسيحيون الملتزمون، خاصة من الطوائف غير الإنجيلية مثل الأرثوذكس والكاثوليك، وكذلك لاهوتيون إنجيليون ناقدون.
لاهوتيون مثل "ستيفن سيزر" مؤلف كتاب "Against Christian Zionism" هبوا للرد، مؤكدين أن وعود العهد القديم تحققت في المسيح، وليس في كيان سياسي.
نشطاء مسيحيون على منصة "إكس" مرتبطون بمبادرات مثل "Christ at the Checkpoint" هاجموا هذا التفسير باعتباره استغلالاً سياسيًا للدين، وتجاهلاً صارخًا لمعاناة الفلسطينيين، متسائلين: أين عدل المسيح ورحمته في هذا التفسير؟
الخلاصة: كانت هذه الحادثة المزعومة نموذجًا صارخًا للصراع بين التفسير الصهيوني المسيحي المدعوم بفكر "سكوفيلد"، والتفسير التقليدي التاريخي للكتاب المقدس.
الجدل المتواصل: اتهامات بالتعاون ومعاداة السامية الخفية
لا تتوقف الانتقادات عند هذا الحد، بالصهيونية المسيحية تواجه اتهامات بـ:
كونها أداة بيد الصهيونية اليهودية: حيث يُشاع أنها وُلدت من رحم تعاون استراتيجي لاستغلال المشاعر الدينية للمسيحيين.
معاداة السامية المغلفة بالدعم: لأنها في النهاية ترى اليهود كأدوات لتحقيق النبوءات، وسيُطلب منهم التحول إلى المسيحية في "نهاية الأزمنة" حسب بعض الطوائف.
تجاهل معاناة الفلسطينيين: حيث يُنظر إلى دعمها الأعمى لإسرائيل على أنه تواطؤ في عملية تهميش شعب بأكمله، يتعارض مع أبسط مبادئ العدالة والإنسانية.
الخلاصة: الدين في خدمة السياسة أم العكس؟
في الختام، الصهيونية المسيحية ليست مجرد إيمان، بل هي ظاهرة معقدة تجسدت عبر تاريخ طويل، ووجدت في "إنجيل سكوفيلد" وقودها الفكري، وفي شخصيات مثل "تيد كروز" مكبرًا لصوتها السياسي. بينما تقدم نفسها كحركة تدعم "شعب الله المختار"، فإن تفسيراتها للنصوص المقدسة تظل محل نقد لاذع من مسيحيين آخرين يتهمونها بالتلاعب بالدين وتقديمه على مذبح المصالح السياسية.
السؤال الذي يظل معلقًا: إلى أي حد يمكن أن نسمح للدين بأن يُستخدم كأداة في صراعات الأرض والسلطة؟ القصة لم تنته بعد، والمشهد يتشكل أمام أعيننا.

نقدم محتوىً مميزاً وتحليلات عميقة.
adel@aqelmoshatat.com


© 2024. All rights reserved.