عقول عربية غيروا مجرى التاريخ - من ابن الهيثم إلى يحيى المشد و أحمد زويل

هل تساءلت يومًا لماذا تُعرف أسماء مثل نيوتن وأينشتاين في كل مكان، بينما نادراً ما نسمع عن العلماء العرب الذين مهدوا الطريق للعلم الحديث؟ في هذه الحلقة، نأخذكم في رحلة عبر الزمن لاكتشاف قصة العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا، ولكن رغم إنجازاته العظيمة، لم ينسب إليه الفضل الذي يستحقه. لكن القصة لا تنتهي هنا! ننتقل إلى العصر الحديث لنكشف مصير يحيى المشد، أحد أبرز العلماء العرب في المجال النووي، والذي انتهت حياته في ظروف غامضة. لماذا يتم تهميش إنجازات العلماء العرب؟ ولماذا نجد أن بعضهم قد تعرض للتصفية أو التعتيم على أعماله؟

3/19/2025

عقول عربية غيروا مجرى التاريخ - من ابن الهيثم إلى يحيى المشد و أحمد زويل
عقول عربية غيروا مجرى التاريخ - من ابن الهيثم إلى يحيى المشد و أحمد زويل

كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات. في هذا الشهر الفضيل، نأخذكم في رحلة عبر الزمن، نكشف فيها عن عقول عظيمة كان لها أثر لا يُمحى في تاريخ الإنسانية. علماء عرب ومسلمون مهّدوا الطريق للعلم الحديث، ومع ذلك، لم ينالوا حقهم من التقدير والاعتراف كما ينبغي.

دائمًا ما تُسلّط الأضواء على علماء الغرب، وتُخلّد أسماؤهم في المناهج الدراسية والكتب العلمية، حتى أصبح من النادر أن تجد شخصًا لم يسمع عن نيوتن، أينشتاين، جاليليو أو ماري كوري. لكن هل تساءلنا يومًا: أين مكان علمائنا العرب والمسلمين في هذه المعادلة؟ لماذا لا نجد ذكرًا واسعًا لانجازاتهم رغم أنهم كانوا حجر الأساس لكثير من الاكتشافات العلمية التي نسبت لاحقًا لغيرهم؟

سنستعرض سيرة هؤلاء العلماء العرب العظماء، نتحدث عن نشأتهم، رحلتهم العلمية، وإنجازاتهم التي غيرت مجرى التاريخ. سنسلط الضوء على العلوم التي ساهموا في تطويرها، وكيف استند عليها علماء الغرب لاحقًا في أبحاثهم واكتشافاتهم. ليس هذا فحسب، بل سنكشف أيضًا عن العلماء العرب الذين تعرّضوا للاغتيال في العصر الحديث، وأسباب استهدافهم، والجهات التي ربما كانت وراء ذلك. وأخيرًا، سنحتفي بعلماء عرب معاصرين لا يزالون يسطرون إنجازاتهم في مختلف المجالات، حاملين شعلة العلم والتقدم.

رحلتنا في هذا البرنامج ستكون ممتعة، غنية بالمعلومات، ومليئة بالمفاجآت. سنتبع خيط العلم عبر الزمن، من العصور الذهبية للحضارة الإسلامية، إلى يومنا هذا. فما الذي حدث؟ وكيف انتقلت الريادة العلمية من أيدي علماء المسلمين إلى غيرهم؟ ولماذا لا يزال بعض علماء العرب يتعرضون للإقصاء أو التهديد؟

ابقوا معنا في هذه السلسلة الشيقة، حيث نعيد كتابة التاريخ، ليس بتحريفه، ولكن بإبراز الحقائق المغيبة عنه. تابعونا، وشاركوا هذه الحلقات لننشر معًا المعرفة الحقيقية، ونحيي ذكرى هؤلاء العلماء الذين غيروا وجه العالم.

عقول عربية غيروا مجرى التاريخ - من ابن الهيثم إلى يحيى المشد و أحمد زويل

 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا
 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا
 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا
 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا
 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا
 العالم الفذ ابن الهيثم، الرجل الذي أسس علم البصريات وألهم اختراع الكاميرا

في عام 965 ميلادي، وُلد في البصرة طفل لم يكن يدري أحد أن اسمه سيُخلّد في تاريخ العلم إلى الأبد. الحسن بن الهيثم… عقلٌ سابقٌ لعصره، غارقٌ في تأملاته، يحمل في داخله نيران الفضول والاكتشاف، لكنه كان منعزلاً عن الناس، أقرب إلى الفلاسفة من الحكام، إلى العلوم من القصور، وإلى البحث عن الحقيقة من السعي وراء الجاه والسلطة.

منذ طفولته، كانت الأسئلة تحاصره: لماذا تسطع الشمس بهذا الشكل؟ لماذا تنكسر الأشياء في الماء؟ كيف نرى الأشياء حولنا؟ لم يكن يقبل الإجابات السطحية، ولم يكن يرضى بغير البرهان العقلي والدليل التجريبي. درس في البصرة على يد علماء عصره، وانغمس في كتب الفلسفة و الرياضيات والبصريات حتى أصبح من ألمع العقول في مجتمعه.

لكن هذا العقل العبقري لم يكن يجلب له سوى سوء الحظ… في إبداعه قاده إلى مشاكل مع الحكام أكثر مما قاده إلى الشهرة والثراء. بدأ مسيرته كمصمم بارع للقصور، وحين طلب منه أمير البصرة تصميم قصرٍ فاخر، لم يخيب ظنه، فقدّم له تحفة معمارية لم يكن لها مثيل، لكن عندما طلب منه الأمير الإشراف على البناء، رفض ابن الهيثم بشدة. لم يكن يهتم بالأموال أو المناصب، بل كان يرى في هذا العمل تشتيتًا لعقله عن أبحاثه. هذا الرفض أهان الأمير، وجعله يتحول من معجبٍ به إلى عدوٍ له، فاضطر ابن الهيثم إلى الهرب من البصرة تحت جنح الظلام.

هرب إلى بغداد، حيث انضم إلى كبار العلماء في بيت الحكمة، وأمضى هناك سنوات يدرس ويكتب ويبحث في البصريات والرياضيات والفلك. لكنه لم يبقَ طويلاً، إذ شعر بأن بغداد أصبحت ضيقة على طموحه، فشدّ رحاله إلى دمشق، وهناك عمل في بلاط أميرها، حيث أجرى بعض أبحاثه وألف بعضاً من كتبه. لكنه كان دائم الترحال، كأنما يهرب من مصير لا مفر منه…

وأخيرًا، وصل إلى مصر، حيث استدعاه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، الذي كان مولعًا بالعلماء والمفكرين، وطلب منه تنفيذ مشروع هندسي ضخم: التحكم في فيضان نهر النيل! كان هذا تحديًا لم يواجهه أي عالمٍ من قبل، وابن الهيثم، بحسه العلمي، لم يستطع مقاومة هذه الفكرة، فقام بدراسة مجرى النهر، وأجرى حساباته، لكنه أدرك أن المهمة مستحيلة بالتكنولوجيا المتوفرة في عصره. كان يعلم أن الحاكم بأمر الله معروف بطباعه المتقلبة، وأن الفشل في تنفيذ هذا المشروع قد يعني نهايته. فما كان منه إلا أن تظاهر بالجنون، ليُبعد نفسه عن غضب الخليفة، فتم وضعه تحت الإقامة الجبرية في القاهرة.

لكن هذه العزلة لم تكن عقابًا، بل كانت أعظم فرصة في حياته. ففي وحدته، بدأ بتدوين ملاحظاته وإجراء تجاربه، ليضع أسس علم البصريات الحديث. في تلك الغرفة الصغيرة في القاهرة، بعيدًا عن صخب العالم، خرجت للعالم أفكاره التي غيرت فهمنا للضوء والرؤية إلى الأبد… الأفكار التي كانت الأساس لعدسات كاميراتنا اليوم، ولأشعة الليزر، ولعلم البصريات بأكمله. ابن الهيثم… الرجل الذي أبصر ما لم يُبصره أحدٌ قبله.

عقول عربية غيروا مجرى التاريخ
عقول عربية غيروا مجرى التاريخ

إنجازات ابن الهيثم العلمية وتأثيرها على العالم

كان العالم القديم يعتقد أن العين تُرسل أشعة ضوئية لترى الأشياء، نظرية تبناها فلاسفة الإغريق مثل إقليدس وبطليموس. لكن هذا لم يكن منطقيًا، فكيف يمكن للرؤية أن تحدث في الظلام؟ ولماذا لا نرى الأشياء بمجرد النظر إليها دون ضوء؟

هنا يأتي ابن الهيثم، بعقلية ثورية، ليقلب المفاهيم رأسًا على عقب!

بعد تجارب طويلة داخل غرفته المظلمة، لاحظ أن الضوء يدخل إلى العين وليس العكس، وأنه ينعكس عن الأجسام ثم يصل إلينا، لنراها كما هي. ومن هنا، وُلِدَ علم البصريات الحديث!

في غرفة معزولة عن الضوء، صنع ابن الهيثم ثقبًا صغيرًا في جدار، وراقب كيف أن شعاع الضوء الداخل يرسم صورة معكوسة لما هو خارجه. لقد اكتشف لأول مرة مبدأ الكاميرا المظلمة، الأساس الذي ستقوم عليه كاميرات الهواتف والتصوير السينمائي بعد مئات السنين!

بعد مئات السنين، جاء ليوناردو دافنشي ليرسم مخططات مماثلة، ثم استخدم العلماء الأوروبيون نفس المبدأ في صناعة أولى الكاميرات في العالم. تخيل أن هاتفك الذي تستخدمه اليوم لتصوير كل لحظاتك، بُني على اكتشاف عربي عمره أكثر من 1000 عام!

لم يكتفِ ابن الهيثم بالبصريات، بل كان رائدًا في الهندسة والرياضيات. طور معادلات لحساب الزوايا والانعكاسات والانكسارات، مما ساهم لاحقًا في تطور علم الضوء عند نيوتن وديكارت.

لكن هنا يطرح السؤال الأهم…

إذا كان ابن الهيثم قد أسس هذه العلوم، لماذا لا يُذكر اسمه في كتبنا كما يُذكر أينشتاين ونيوتن؟

مع ترجمة كتب ابن الهيثم إلى اللاتينية، أصبحت مرجعًا أساسيًا لعلماء أوروبا. لكن مع مرور الوقت، بدأ الغرب ينسب هذه الاكتشافات لنفسه، دون ذكر المصدر الحقيقي!

• هل تعلم أن ديكارت، الذي أسس الهندسة التحليلية، استفاد من أفكار ابن الهيثم؟

• هل تعلم أن نيوتن، الذي أذهل العالم بنظرياته عن الضوء، اعتمد على قوانين كان ابن الهيثم قد وضعها قبله بقرون؟

لكن القصة لا تنتهي هنا…

العلوم المسروقة: كيف تم نسبوا إنجازاته إلى علماء أوروبا؟

❖ علم البصريات: رغم أن ابن الهيثم هو المؤسس الفعلي لهذا العلم، إلا أن الفضل نُسب لاحقًا إلى علماء مثل يوهانس كيبلر، الذي استند إلى نظريات ابن الهيثم دون الإشارة إليه.

❖ الهندسة التحليلية: ابن الهيثم كان أول من دمج بين الهندسة والجبر، ووضع قواعد سبقت ما قدمه ديكارت، والذي نُسب إليه لاحقًا هذا المجال!

❖ قوانين الضوء والانكسار: ابن الهيثم هو أول من وضع القوانين التي تفسر انعكاس وانكسار الضوء، لكن هذه القوانين سُجلت لاحقًا باسم إسحاق نيوتن وغيره.

❖ أساسيات المنهج العلمي الحديث: ابن الهيثم كان أول من اعتمد التجربة والملاحظة الدقيقة لإثبات نظرياته، ومع ذلك نجد أن المنهج العلمي يُنسب إلى فرانسيس بيكون الذي جاء بعده بقرون!

خاتمة إنجازات ابن الهيثم – الإنصاف المتأخر

ابن الهيثم لم يكن مجرد عالم، بل كان رجلًا سابقًا لعصره، ترك بصمة غيرت مجرى العلوم إلى الأبد. لكنه عاش في زمن لم يكن يُقدر فيه العلم كما يجب، بل كان محفوفًا بالمخاطر والملاحقات. قضى سنوات من حياته في عزلة، مجبرًا على التظاهر بالجنون لينجو من بطش الحكام، لكنه لم يتوقف عن التفكير، عن البحث، عن التجربة…

اليوم، اسمه محفور في كتب العلم، حتى لو لم يُنصف كما يجب. ناسا أطلقت اسمه على أحد الفوهات القمرية تكريمًا لإنجازاته، واسمه لا يزال يُذكر بين علماء البصريات العظماء. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يصبح اسمه في كل مناهجنا؟ لماذا لم ندرسه كما درسنا نيوتن وأينشتاين؟

ربما لأنه كان عربيًا…

إذا كانت علومه قد سُرقت ونُسبت لغيره، فهل كان ذلك كافيًا لإخفاء العلماء العرب؟ أم أن بعضهم لم يتم الاكتفاء بسرقة علومهم… بل صُفّوا بالكامل؟

 يحيى المشد، أحد أبرز العلماء العرب في المجال النووي
 يحيى المشد، أحد أبرز العلماء العرب في المجال النووي

العالم العربي الذي تم اغتياله في العصر الحديث – يحيى المشد

ما حدث مع ابن الهيثم من تهميش لاسمه في التاريخ، يبدو أنه كان المصير الأخف مقارنة بما حصل لعلماء عرب آخرين… علماء لم يُكتفَ بسرقة علومهم، بل صُفّوا بالكامل.

أحد أبرز هؤلاء كان يحيى المشد، عالم الذرة المصري الذي كاد يُغير موازين القوى في العالم العربي.

بعد حصوله على الدكتوراه من فرنسا، أصبح واحدًا من أهم العلماء في مجال الطاقة النووية. عمل على تطوير المفاعلات النووية العربية، وكان جزءًا من مشروع طموح لامتلاك طاقة نووية سلمية في العراق. لكن مشروعه هذا لم يرق للكثيرين…

في عام 1980، سافر المشد إلى باريس لحضور اجتماع علمي. لم يكن يعلم أن هذه الرحلة ستكون الأخيرة… في صباح يوم 14 يونيو، عُثر عليه مقتولًا في غرفته بفندق الميريديان، جثته مضرجة بالدماء، وعلامات الضرب والسحل واضحة عليه.

التقارير الرسمية قالت إنه قُتل في “عملية سطو”، لكن الحقيقة كانت واضحة للجميع… عالم بهذا الحجم، بمثل هذه المعرفة، لم يكن ليموت صدفة. ومثل الكثيرين غيره، رحل المشد دون أن تأخذ قضيته حقها، ودون أن يُحاسب أحد.

العالم العربي الذي يساهم حاليًا في العلوم – أحمد زويل

لكن ورغم كل شيء، لا يزال هناك علماء عرب يواصلون المسيرة… أحد هؤلاء هو أحمد زويل، العالم المصري الذي غيّر عالم الكيمياء باكتشافه للفيمتوثانية، التقنية التي سمحت للعلماء بمراقبة التفاعلات الكيميائية بسرعة لم تكن متخيلة من قبل.

بفضل هذا الاكتشاف، حصل زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، ليكون أول عربي ينالها في هذا المجال. لكن رغم هذا الإنجاز، كان زويل دائمًا ما يتحدث عن ضرورة دعم البحث العلمي في العالم العربي، وكان يدعو إلى بناء منظومات تعليمية تُنصف العقول العربية بدلًا من أن تدفعها للهجرة.

اليوم، اسمه محفور في التاريخ العلمي، لكنه لا يزال استثناءً في واقع يحتاج إلى الكثير من التغيير.

عبر التاريخ، كانت العقول العربية دائمًا في المقدمة، لكنها نادرًا ما أخذت حقها. فهل سيتكرر هذا السيناريو؟

في الحلقة القادمة، سنعود إلى عالم آخر منسي… عالم غيّر العالم لكنه بقي في الظل. من هو؟ وما هي قصته؟

انتظرونا في الحلقة القادمة من “عباقرة في الظل”.